فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأَكْدَى النَّبتُ إذا قلّ رَيْعه، وكَدَتِ الأرض تَكْدُو كَدْوًا (وكُدُوًّا) فهي كَادِيَةٌ إذا أبطأ نباتها؛ عن أبي زيد.
وأَكْدَيْتُ الرجلَ عن الشيء رددته عنه.
وأَكْدَى الرجلُ إذا قلّ خيره.
وقوله: {وأعطى قَلِيلًا وأكدى} أي قطع القليل.
قوله تعالى: {أَعِندَهُ عِلْمُ الغيب فَهُوَ يرى} أي أعند هذا المكدِي علمُ ما غاب عنه من أمر العذاب؟.
{فَهُوَ يرى} أي يعلم ما غاب عنه من أمر الآخرة، وما يكون من أمره حتى يضمن حمل العذاب عن غيره، وكفى بهذا جهلًا وحمقًا.
وهذه الرؤية هي المتعدية إلى مفعولين والمفعولان محذوفان؛ كأنه قال: فهو يرى الغيبَ مثلَ الشهادة.
قوله تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ موسى وَإِبْرَاهِيمَ} أي صحف {وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى} كما في سورة (الأعلى) {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى} [الأعلى: 19] أي لا تؤخذ نفس بدلًا عن أخرى؛ كما قال: {أَن لاَتَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى} وخصّ صحف إبراهيم وموسى بالذكر؛ لأنه كان ما بين نوح وإبراهيم يؤخذ الرجل بجريرة أخيه وابنه وأبيه؛ قاله الهذيل ابن شرحبيل.
و {أنْ} هذه المخففة من الثقيلة وموضعها جرٌّ بدلًا من ما أو يكون في موضع رفع على إضمار هو.
وقرأ سعيد بن جبير وقتادة {وَفَى} خفيفة ومعناها صدق في قوله وعمله، وهي راجعة إلى معنى قراءة الجماعة {وَفَّى} بالتشديد أي قام بجميع ما فرض عليه فلم يَخْرم منه شيئًا.
وقد مضى في (البقرة) عند قوله تعالى: {وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124] والتوفية الإتمام.
وقال أبو بكر الورّاق: قام بشرط ما ادعى؛ وذلك أن الله تعالى قال له: {أَسْلِمْ قال أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العالمين} [البقرة: 131] فطالبه الله بصحة دعواه، فابتلاه في ماله وولده ونفسه فوجده وافيًا بذلك؛ فذلك قوله: {وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى} أي ادعى الإسلام ثم صحح دعواه.
وقيل: وفّي عمله كل يوم بأربع ركعات في صدر النهار؛ رواه الهيثم عن أبي أمامة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وروى سهل بن سعد الساعدي عن أبيه: «أَلاَ أخبركم لم سَمَّى اللَّه تعالى خليلَه إبراهيمَ {الَّذِي وَفَّى} لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى: {فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}» [الروم: 17] الآية.
ورواه سهل بن معاذ عن أنس عن أبيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقيل: {وفَّى} أي وَفَّى ما أرسل به، وهو قوله: {أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} قال ابن عباس: كانوا قبل إبراهيم عليه السلام يأخذون الرجل بذنب غيره، ويأخذون الوليَّ بالولِيِّ في القتل والجراحة؛ فيقتل الرجل بأبيه وابنه وأخيه وعمه وخاله وابن عمه وقريبه وزوجته وزوجها وعبده، فبلغهم إبراهيم عليه السلام عن الله تعالى: {أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى}.
وقال الحسن وقتادة وسعيد بن جبير في قوله تعالى: {وَفَّى}: عمل بما أمر به وبلّغ رسالات ربه.
وهذا أحسن؛ لأنه عام.
وكذا قال مجاهد: {وَفَّى} بما فرض عليه.
وقال أبو مالك الغفاريّ قوله تعالى: {أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} إلى قوله: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكَ تتمارى} في صحف إبراهيم وموسى، وقد مضى في آخر (الأنعام) القول في {وَلاَ تزروازرة وِزْرَ أخرى} [الأنعام: 164] مستوفى.
قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى} روي عن ابن عباس أنها منسوخة بقوله تعالى: {والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] فيحصل الولد الطفل يوم القيامة في ميزان أبيه، ويشفِّع الله تعالى الآباء في الأبناء والأبناء في الآباء؛ يدل على ذلك قوله تعالى.
{آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء: 11].
وقال أكثر أهل التأويل: هي محكمة ولا ينفع أحدًا عملُ أحدٍ، وأجمعوا أنه لا يصلّي أحد عن أحد.
ولم يُجِز مالك الصيام والحج والصدقة عن الميت، إلا أنه قال: إن أوصى بالحج ومات جاز أن يحج عنه.
وأجاز الشافعي وغيره الحج التطوّع عن الميّت.
وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها اعتكفت عن أخيها عبد الرحمن وأعتقت عنه.
وروي أن سعد بن عبادة قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إن أمِّي توفيت أفأتصدق عنها؟ قال: «نعم» قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال: «سقي الماء» وقد مضى جميع هذا مستوفًى في (البقرة) و(آل عمران) (والأعراف).
وقد قيل: إن الله عز وجل إنما قال: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى} ولام الخفض معناها في العربية الملك والإيجاب فلم يجب للإنسان إلا ما سعى، فإذا تصدّق عنه غيره فليس يجب له شيء إلا أن الله عز وجل يتفضل عليه بما لا يجب له، كما يتفضل على الأطفال بإدخالهم الجنة بغير عمل.
وقال الربيع بن أنس: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى} يعني الكافر وأما المؤمن فله ما سَعَى وما سَعَى له غيره.
قلت: وكثير من الأحاديث يدل على هذا القول، وأن المؤمن يصل إليه ثواب العمل الصالح من غيره، وقد تقدّم كثير منها لمن تأملها، وليس في الصدقة اختلاف، كما في صدر كتاب مسلم عن عبد الله بن المبارك.
وفي الصحيح: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث» وفيه «أو ولد صالح يدعو له» وهذا كله تفضل من الله عز وجل، كما أن زيادة الأضعاف فضل منه؛ كتب لهم بالحسنة الواحدة عشرًا إلى سبعمائة ضعف إلى ألف ألف حسنة؛ كما قيل لأبي هريرة: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله ليجزي على الحسنة الواحدة ألف ألف حسنة» فقال سمعته يقول: «إن الله ليجزي على الحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة» فهذا تفضل.
وطريق العدل {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى}.
قلت: ويحتمل أن يكون قوله: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى} خاص في السيئة؛ بدليل ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل إذا همّ عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة فإن عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبعمائة ضِعف وإذا همّ بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه فإن عملها كتبتها سيئةً واحدة» وقال أبو بكر الورّاق: {إِلاَّ مَا سعى} إلا ما نوى؛ بيانه قوله صلى الله عليه وسلم:
«يُبعث الناس يوم القيامة على نياتهم».
قوله تعالى: {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يرى} أي يُريه الله تعالى جزاءه يوم القيامة {ثُمَّ يُجْزَاهُ} أي يجزى به {الجزاء الأوفى}.
قال الأخفش: يقال جزيته الجزاء، وجزيته بالجزاء سواء لا فرق بينهما؛ قال الشاعر:
إِنْ أَجْزِ عَلْقَمَة بنَ سْعدٍ سَعْيَه ** لم أَجْزِهِ ببَلاءِ يَوْمٍ واحِدِ

فجمع بين اللغتين. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَفَرَأَيْتَ الذي تولى} أي عن اتباع الحق والثبات عليه.
{وأعطى قَلِيلًا} أي شيئًا قليلًا، أو إعطاءًا قليلًا {وأكدى} أي قطع العطاء من قولهم حفر فأكدى إذا بلغ إلى كديه أي صلابة في الأرض فلم يمكنه الحفر، قال مجاهد وابن زيد: نزلت في الوليد بن المغيرة كان قد سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس إليه ووعظه فقرب من الإسلام وطمع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إنه عاتبه رجل من المشركين، وقال له: أتترك ملة آبائك؟! ارجع إلى دينك وأثبت عليه وأنا أتحمل عنك كل شيء تخافه في الآخرة لكن على أن تعطيني كذا وكذا من المال فوافقه الوليد على ذلك ورجع عما هم به من الإسلام وصل ضلالًا بعيدًا، وأعطى بعض المال لذلك الرجل ثم أمسك عنه وشح، وقال الضحاك: هو النضر بن الحرث أعطى خمس قلائص لفقير من المهاجرين حتى ارتد عن دينه وضمن له أن يحمل عنه مأثم رجوعه، وقال السدي: نزلت في العاص بن وائل السهمي كان يوافق النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور، وقال محمد بن كعب: في أبي جهل قال: والله ما يأمر محمد إلا بمكارم الأخلاق، والأول هو الأشهر الأنسب لما بعده من قوله سبحانه: {عِلْمُ الغيب فَهُوَ} إلى آخره، وأما ما في (الكشاف) من أنها نزلت في عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه كان يعطي ماله في الخير فقال له عبد الله بن سعيد بن أبي سرح: يوشك أن لا يبقى لك شيء فقال عثمان: إن لي ذنوبًا وخطايا وإني أطلب بما أصنع رضا الله تعالى وأرجو عفوه فقال عبد الله: أعطني ناقتك برحلها وأنا أحمل عنك ذنوبك كلها فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن العطاء فباطل كما قال ابن عطية ولا أصل له، وعثمان رضي الله تعالى عنه منزه عن مثل ذلك، و{أَفَرَأَيْتَ} [النجم: 33] هنا على ما في (البحر) بمعنى أخبرني ومفعولها الأول الموصول، والثاني: الجملة الاستفهامية، والفاء في قوله تعالى: {فَهُوَ يرى} للتسبب عما قبله أي أعنده علم بالأمور الغيبية فهو بسبب ذلك يعلم أن صاحبه يتحمل عنه يوم القيامة ما يخافه، وقيل: يرى أن ما سمعه من القرآن باطل، وقال الكلبي: المعنى أأنزل عليه قرآن فرأى أن ما صنعه حقه، وأيًا مّا كان فيرى من الرؤية القلبية، وجوز أن تكون من الرؤية البصرية أي فهو يبصر ما خفى عن غيره مما هو غيب.
{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ} أي بل ألم يخبر.
{بِمَا في صُحُفِ موسى} وهي التوراة.
{وإبراهيم} وبما في صحف إبراهيم التي نزلت عليه {الذى وفى} أي وفر وأتم ما أمر به، أو بالغ في الوفاء بما عاهد عليه الله تعالى، وقال ابن عباس: وفي بسهام الإسلام كلها ولم يوفها أحد غيره وهي ثلاثون سهمًا منها عشرة في براءة {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وأموالهم} الآيات، وعشرة في [الأحزاب: 35] {إِنَّ المسلمين والمسلمات} الآيات، وست في قد أفلح المؤمنون الآيات التي في أولها، وأربع في سأل سائل {والذين يُصَدّقُونَ بِيَوْمِ الدين} [المعارج: 26] الآيات، وفي حديث ضعيف عن أبي أمامة يرفعه، «وفيّ بأربع ركعات كان يصليهن في كل يوم» وفي رواية «يصليهن أول النهار» وأخرج أحمد من حديث معاذ بنأنس مرفوعًا أيضًا إِلا أخباركم {رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بآياتنا وَلِقَاء الآخرة فَأُوْلَئِكَ في العذاب مُحْضَرُونَ فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} الآية وقال عكرمة: {وَفِى} بتبليغ هذه العشرة {ألا تزر} [النجم: 38] إلى آخره {وَقِيلَ وَقِيلَ} والأولى العموم وهو مروي عن الحسن قال: ما أمره الله تعالى بشيء إلا وفى به وتخصيصه عليه السلام بهذا الوصف لاحتماله ما لا يحتمله غيره، وفي قصة الذبح ما فيه كفاية وخص هذان النبيان عليهما السلام بالذكر قيل: لأنه فيما بين نوح.
وإبراهيم كانوا يأخذون الرجل بابنه وبأبيه وعمه وخاله، والزوج بامرأته، والعبد بسيده فأول من خالفهم إبراهيم وقرر ذلك موسى ولم يأت قبله مقرر مثله عليه السلام، وتقديمه لما أن صحفه أشهر عندهم وأكثر، وقرأ أبو أمامة الباهلي وسعيد بن جبير وأبو مالك الغفاري وابن السميقع وزيد بن علي {وفى} بتخفيف الفاء.
{أَلاَّ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى} أي أنه لا تحمل نفس من شأنها الحمل حمل نفس أخرى على أن {إن} هي المخففة من الثقيلة وضمير الشأن الذي هو اسمها محذوف، والجملة المنفية خبرها ومحل الجملة الجر على أنها بدل مما {في صحف موسى} [النجم: 36]، أو الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والاستئناف بياني كأنه قيل: ما في صحفهما؟ فقيل: هو {أَن لا تَزِرُ} الخ، والمعنى أنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ليتخلص الثاني عن عقابه، ولا يقدح في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» فإن ذلك وزر الإضلال الذي هو وزره لا وزر غيره، وقوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى}.
بيان لعدم إثابة الإنسان بعمل غير إثر بيان عدم مؤاخذته بذنب غيره {وَأَنْ} كأختها السابقة، و{مَا} مصدرية وجوز كونها موصولة أي ليس له إلا سعيه، أو إلا الذي سعى به وفعله، واستشكل بأنه وردت أخبار صحيحة بنفع الصدقة عن الميت، منها ما أخرجه مسلم والبخاري وأبو داود والنسائي عن عائشة أن رجلًا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: «نعم» وكذا بنفع الحج.
أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس قال: «أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أختي نذرت لأن تحج وأنها ماتت فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم قال: فحق الله أحق بالقضاء» وأجيب بأن الغير لما نوى ذلك الفعل له صار بمنزلة الوكيل عنه القائم مقامه شرعًا فكأنه بسعيه، وهذا لا يتأتى إلا بطريق عموم المجاز، أو الجمع بين الحقيقة والمجاز عند من يجوزه، وأجيب أيضًا بأن سعي غيره لما لم ينفعه إلا مبنيًا على سعي نفسه من الايمان فكأنه سعيه، ودل على بنائه على ذلك ما أخرجه أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة وأن هشامًا ابنه نحر حصته خمسين وأن عمرًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «أما أبوك فلو كان أقرّ بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك» وأجيب بهذا عما قيل: إن تضعيف الثواب الوارد في الآيات ينافي أيضًا القصر على سعيه وحده، وأنت تعلم ما في الجواب من النظر، وقال بعض أجلة المحققين إنه ورد في الكتاب والسنة ما هو قطعي في حصول الانتفاع بعمل الغير وهو ينافي ظاهر الآية فتقيد بما لا يهبه العامل، وسأل والي خراسان عبد الله بن طاهر الحسين بن الفضل عن هذه الآية مع قوله تعالى: {والله يضاعف لِمَن يَشَاء} [البقرة: 261] فقال: ليس له بالعدل إلا ما سعى وله بالفضل ما شاء الله تعالى فقبل عبد الله رأس الحسين، وقال عكرمة: كان هذا الحكم في قوم إبراهيم وموسى عليهما السلام، وأما هده الأمة فللإنسان منها سعي غيره يدل عليه حديث سعد بن عبادة «هل لأمي إذا تطوعت عنها؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم» وقال الربيع: الإنسان هنا الكافر، وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره، وعن ابن عباس أن الآية منسوخة بقوله تعالى: {والذين ءامَنُواْ واتبعتهم} [الطور: 12] وقد أخرج عنه ما يشعر به أبو داود والنحاس كلاهما في الناسخ، وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه، وتعقب أبو حيان رواية النسخ بأنها لا تصح لأن الآية خبر لم تتضمن تكليفًا ولا نسخ في الأخبار.
وما يتوهم جوابًا من أنه تعالى أخبر في شريعة موسى وإبراهيم عليهما السلام أن لا يجعل الثواب لغير العامل ثم جعله لمن بعدهم من أهل شريعتنا مرجعه إلى تقييد الأخبار لا إلى النسخ إذ حقيقته أن يراد المعنى، ثم من بعد ذلك ترتفع إرادته، وهذا تخصيص الإرادة بالنسبة إلى أهل الشرائع فافهمه، وقيل: اللام بمعنى على أي ليس على الإنسان غير سعيه، وهو بعيد من ظاهرها ومن سياق الآية أيضًا فإنها وعظ للذي تولى وأعطى قليلًا وأكدى، والذي أميل إليه كلام الحسين، ونحوه كلام ابن عطية قال: والتحرير عندي في هذه الآية أن ملاك المعنى هو اللام من قوله سبحانه: {أَلِيمٌ كَمَثَلِ الشيطان إِذْ قال للإنسان} فإذا حققت الشيء الذي حق الإنسان أن يقول فيه لي كذا لم تجده إلا سعيه وما يكون من رحمة بشفاعة، أو رعاية أب صالح، أو ابن صالح، أو تضعيف حسنات، أو نحو ذلك فليس هو للإنسان ولا يسعه أن يقول لي كذا وكذا إلا على تجوّز، وإلحاق بما هو حقيقة انتهى.